استعمل القرآن الكريم مصطلح ولي الأمر في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) سورة النساء الآية 59. وقيل أولو الأمر هم الأئمة من أهل البيت، وقيل هم الآمرون بالمعروف، وقال ابن عباس هم الفقهاء المطيعون لله، أهل الفقه والدين.ابن كثير ج1 ص : 408. ولما توفي الرسول صلى الله عليه قال الأنصار للمهاجرين: (منا أمير ومنكم أمير)، وكل هذه الأقوال صحيحة كما قال الراغب (ووجه ذلك أن أولي الأمر الذين يرتدع بهم الناس، أربعة: الأنبياء والولاة، والحكماء، والوعظة).
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يلقب بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه أخذ مصطلح الخليفة، ولقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأمير المؤمنين وشاع بعد ذلك وهو تعبير عن معنى بديع مستبطن لمعان كثيرة تعرب عن مقاصد عديدة.
ولعل لقب “أمير المؤمنين” أكثر تعبيرا عن طبيعة المنصب من كلمة “خليفة” وذلك لعدم إمكانية أحد أن يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرسالة والوحي، ولقب أمير المؤمنين مركب إضافي من أمير ومؤمنين، ويتضح مفهوم أمير المومنين أكثر من خلال تحديد مقاصد إمارة المومنين .
تتمثل مقاصد إمارة المؤمنين في الإشراف على الشأن الديني من أجل تحقيق القيام بدين الله عز وجل، وبما يصلح الدنيا على وفق ما جاء به الشرع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو منوط بالسلطان الذي ينصب في كل بلدة رجلا صالحا قويا عالما أمينا يتولى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مصداقا لقوله عز وجل: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) سورة الحج الآية 41.
ولقد لخص إمام الحرمين الجويني مقاصد إمارة المؤمنين فقال : ( ولا يرتاب من معه مسكة من عقل أن الذب عن الحوزة والنضال دون حفظ البيضة محتوم شرعا، ولو ترك الناس فوضى لا يجمعهم على الحق جامع ولا يزعهم وازع ولا يردعهم عن اتباع خطوات الشيطان رادع، مع تفنن الآراء، وتفرق الأهواء، لانتثر النظام، وهلك العظام وتوثبت الطغام والعوام، وتحزبت الآراء المتناقضة، وتفرقت الإرادات المتعارضة وملك الأرذلون سراة الناس، وفضت المجامع، واتسع الخرق على الراقع، وفشت الخصومات، واستحوذ على أهل الدين ذوو العرامات، وتبددت الجماعات ولا حاجة إلى الإطناب بعد حصول البيان، وما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن )الإمام الجويني غياث الأمم ص :23 -24 .
ويؤكد ابن خلدون هذه المقاصد فيقول : ( الملك منصب طبيعي للإنسان لأنا قد بينا أن البشر لا يمكن حياتهم ووجودهم إلا باجتماعهم وتعاونهم على تحصيل قوتهم وضرورياتهم، وإذا اجتمعوا دعت الضرورة إلى المعاملة واقتضاء الحاجات ومد كل واحد منهم يده إلى حاجته يأخذها من صاحبه، لما في الطبيعة الحيوانية من الظلم والعدوان بعضهم على بعض، ويمانع الآخر عنها بمقتضى الغضب والأنفة ومقتضى القوة البشرية في ذلك، فيقع التنازع المفضي إلى المقاتلة، وهي تؤدي إلى الهرج وسفك الدماء وإذهاب النفوس المفضي ذلك إلى انقطاع النوع وهو مما خصه الباري سبحانه بالمحافظة واستحال بقاؤهم فوضى دون حاكم يزع بعضهم عن بعض، واحتاجوا من أجل ذلك إلى الوازع وهو الحاكم عليهم، وهو بمقتضى الطبيعة البشرية الملك القاهر المتحكم )ابن خلدون المقدمة ص 175 .
كما لخص جماع مقاصد الإمامة وإمارة المؤمنين في بيان حقيقة هذا المنصب فقال (إنه نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا)ابن خلدون المقدمة ص : 178 .
ومن هذا البيان الموجز يتضح أن المصطلح المركب ” أمير المؤمنين” يقتضي حماية الدين وتدبير شؤون الحياة، وهو ما يسمى بالسياسة الشرعية، وعليه فتقسيم الحكم في دولة يحكمها أمير المؤمنين، إلى شريعة وسياسة، أو دين ودولة هو تقسيم باطل ومناقض لمقاصد إمارة المؤمنين التي سبق بيانها،
هذه هي بعض مقاصد إمارة المؤمنين، فما هو حكم تنصيب أمير المؤمنين؟